فصل: الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن مهلك الفضل وبيعة أخيه المولى أبي إسحق في كفالة أبي محمد بن تافراكين وتحت استبداده:

لما دخل أبو العباس الفضل إلى الحضرة واستبد بملكها عقد على حجابته لأحمد بن محمد بن عتو نائبا عن عمه أبي القاسم ريثما يفيء من الجريد وعقد على جيشه وحربه لمحمد بن الشواش من بطانته وكان وليه المطارد به أبو الليل قتيبة بن حمزة مستبدا عليه في سائر أحواله مشتطا في طلباته وأنف له بطانته من ذلك فحملوه على التنكر له وأن يديل منه بولاية خالد أخيه وبعث عن أبي القاسم بن عتو وقد قلده في حجابته وفوض إليه أمره وجعل مقاد الدولة بيده فركب إليه البحر من سوسة واستألف له خالد بن حمزة ظهيرا على أخيه بعد أن نبذ إليه عهده وفاوضهم أبو الليل ابن حمزة قبل استحكام أمورهم فغلب على السلطان وحمله على عزله قائده محمد بن الشواش فدفعه إلى بونة على عساكرها واضطربت نار الفتنة بين أبي الليل بن حمزة وبين أخيه خالد وكاد شملهم أن يتصدع وبينما هم يجيشون نار الحرب ويجمعون الجموع والأحزاب إذ قدم كبيرهم عمر وأبو محمد عبد الله بن تافراكين من حجهم وكان ابن تافراكين لما احتل بالإسكندرية بعث السلطان فيه إلى أهل المشرق وخاطبه ملوك مصر في التحكيم فيه فأجاره عليه الأمير المستبد على الدولة يومئذ بيقاروس وخرج من مصر لقضاء فرضه وخرج عمر بن حمزة لقضاء فرضه أيضا فاجتمعا في مشاهد الحاج آخر سنة خمسين وسبعمائة تعاقدا على الرجوع إلى أفريقية والتظاهر على أمرها وقفلا فألقيا خالدا وقتيبة على الصفين فأشار عمر بن داية فاجتمعا وتوافقا ومسح الاحن من صدورهما وتواطؤا جميعا على المكر بالسلطان وبعث إليه وليه قتيبة بالمراجعة فقبله واتفقوا على أن يقلد حجابته أبا محمد ابن تافراكين صاحب أبيه وكبير دولته ويديل به من ابن عتو فأبى.
ثم أصبحت ونزلت أحياؤهم ظاهر البلد واستحثوا السلطان للخروج إليهم ليكملوا عقد ذلك ووقف بساحة البلد إلى أن أحاطوا به ثم اقتادوه إلى بيوتهم وأذنوا لابن تافراكين في دخول البلد فدخلها لإحدى عشرة من جمادي الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وعمد إلى دار المولى أبي إسحق إبراهيم ابن مولانا السلطان أبي بكر فاستخرجه بعد أن بذل من العهد لأمه والمواثيق مارضيتها وجاء به إلى القصر وأقعده على كرسي الخلافة وبايع له الناس خاصة وعامة وهو يومئذ غلام مناهز فانعقدت بيعته ودخل بنو كعب فآتوه طاعتهم وسيق إليه أخوه الفضل ليلتئذ فاعتقل وغط من جوف الليل بمحبسه حتى فاض ولاذ حاجبه أبو القاسم بن عتو بالاختفاء في غيابات البلد وعثر عليه لليال فاعتقل وامتحن وهلك في امتحانه وخوطب العمال في الجهات بأخذ البيعة على من قبلهم فبعثوا بها واستقام ابن بهلول صاحب توزر على الطاعة وبعث بالجباية والهدية واتبعه صاحب نفطة وصاحب قفصة وخالفهم ابن مكي وذهب إلى الاجلاب على ابن تافراكين لما كان قد كفل السلطان وحجزه عن التصرف في أمره واستبد عليه إلى أن كان من أمره ما نذكر إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم.

.الخبر عن حركة صاحب قسنطينة وما كان من حجابة أبي العباس بن مكي وتصاريف ذلك:

لما استولى أبو محمد بن تافراكين على تونس وبايع للمولى أبي إسحق بالخلافة واستبد عليه نقم عليه الأمراء شأن استبداده ونقمه ابن مكي للسعي عليه لمنافسة كانت بهما قديمة من لدن أيام السلطان أبي بكر واستعان على ذلك بأولاد مهلهل مقاسمي أولاد أبي الليل في رياسة الكعوب ومجاذبيهم حبل الإمارة فلما رأوا صاغية ابن تافراكين إلى أولاد أبي الليل أقتالهم أجمعوا له ولهم وحالفوا بني حكيم من قبائل علان وأجلبوا على الضواحي وشنوا الغارات ثم وفد على الأمير أبي زيد صاحب قسنطينة وأعمالها يستحثهم للنهوض إلى أفريقية واستخلاص ملك آبائه من استبد عليه واحتازه دونهم فسرح معهم عسكرين لنظر ميمون ومنصور الجاهل من مواليه وموالي أبيه وارتحلوا من قسنطينة وارتحل معهم يعقوب بن علي كبير الزواودة بمن معه من قومه وسرح أبو محمد بن تافراكين من الحضرة للقاسم عسكرا مع بني الليل بن حمزة لنظر مقاتل من موالي السلطان والتقى الجمعان ببلاد هوارة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة فكانت الدبرة على أولاد أبي الليل.
وقتل يومئذ أبو الليل قتيبة بن حمزة بيد يعقوب بن سحيم من أولاد القوس شيوخ بني حكيم ورجع فلهم إلى تونس وامتدت أيدي أولاد مهلهل وعساكر قسنطينة في البلاد وجبوا الأموال من أوطان هوارة وانتهوا إلى ابدة ثم قفلوا راحلين إلى قسنطينة وولي على أولاد أبي الليل مكان قتيبة أخوه خالد بن حمزة وقام بأمرهم وكان أبو العباس بن مكي أثناء ذلك يكاتب المولى أبا زيد صاحب قسنطينة من مكان ولايته بقابس ويعده من نفسه الوفادة والمدد بالمال والأحزاب والقيام بأعطيات العرب حتى إذا انصرم فصل الشتاء ووفد عليه مع أولاد مهلهل لقاه مبرة وتكريما وعقد له على حجابته وجمع عساكره وجهز آلاته وأزاح علل تابعه ورحل من قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة في صفر وجهز أبو محمد بن فراكين سلطانه أبا إسحق لما يحتاج إليه من العساكر والآلة وجعل على حربه ابنه أبا عبد الله محمد بن نزار من طبقة الفقهاء ومشيخة الكتاب كان يعلم أبناء السلطان الكتاب ويقرئهم القرآن كما قدمناه وفصل من تونس في التعبية حتى اذا تراءى الجمعان كر محمد وتزاحفوا فاختل مصاف السلطان أبي إسحق وافترقت جموعه وولوا منهزمين واتبعهم القوم عشية يومهم ولحق السلطان بصاحبه أبو محمد بن تافراكين بتونس وجاؤا على أثره فنزلوا تونس أياما وطالت عليهم الحرب ثم امتنعت عليهم وارتحلوا إلى القيروان ثم إلى قفصة وبلغهم أن ملك المغرب الأقصى السلطان أبا عبد الله قد خالفهم إلى قسنطينة بمداخلة أبي محمد بن تافراكين واستجاشته ونازل جهات قسنطينة وانتهب زروعها وشن الغارات عليها وفي بسائطها فبلغهم أنه رجع إلى بجاية منكمشا من زحف بني مرين واعتزم الأمير أبو زيد على مبادرة ثغره ودار إمارته يعني قسنطينة ورغب إليه أبو العباس بن مكي وأولاد مهلهل أن يخلف بينهم من إخوانه من يجتمعون إليه ويزاحفون به فولى عليهم أخاه العباس فبايعوه وأقام فيهم هو وشقيقه أبو يحيى زكريا إلى أن كان من شأنه ما نذكر وانصرف الأمير أبو زيد عند ذلك من قفصة يغذ السير إلى قسنطينة واحتل بها في جمادى من سنته والله تعالى أعلم.